دعوة إلى الرباط في المساجد
الحمد لله منزل الكتاب, ومجري السحاب, والصلاة والسلام على سيد الأحباب, محمد بن عبد الله خير عباد الله الذي كان من ربه شديد الاقتراب..أما بعد:
فقد جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحث على انتظار الصلاة في المسجد بعد الصلاة وسمَّى ذلك رباطًا، كما أخرج مسلم بن الحجاج -رحمه الله- من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِه,ِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ, وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاة,ِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» رواه مسلم -369- (1/57)..
وتسمية هذا العمل الصالح بالرباط تشبيه له بالمرابطة للجهاد في سبيل الله تعالى.ومما جاء في فضيلة الرباط في المساجد بين الصلوات ما أخرجه ابن ماجه -رحمه الله- من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو –رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ, فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْرِعاً قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ, وَقَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ, فَقَالَ: «أَبْشِرُوا هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ, يَقُولُ: (انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى)»رواه ابن ماجه -793- (3/24) وصححه العلّامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم(801), وصحيح الترغيب والترهيب برقم(445).
وهذا يبين لنا أهمية المرابطة في المساجد، حيث بلغ ذلك من الفضل إلى أن يباهي به الله سبحانه ملائكته عليهم السلام.
ومما جاء في فضيلة ملازمة المساجد والبقاء فيها ما جاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ»رواه ابن ماجه -792- (3/23) وصححه الألباني في سنن ابن ماجه برقم(800).
فمن كان كثير الذنوب وأراد أن يحطها الله عنه بغير تعب فليغتنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة؛ ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له، فهو مرجو إجابته لقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (28) سورة الأنبياء.
وقد أخبر –عليه الصلاة والسلام- أنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، وتأمين الملائكة إنما هو مرة واحدة عند تأمين الإمام ودعاؤهم لمن قعد في مصلاه دائماً أبداً ما دام قاعداً فيه، فهو أحرى بالإجابة، وقد شبه -صلى الله عليه وسلم- انتظار الصلاة بعد الصلاة بالرباط وأكد ذلك بتكراره مرتين بقوله: «فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ, فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ»4، فعلى كل مؤمن عاقل سمع هذه الفضائل الشريفة أن يحرص على الأخذ بأوفر الحظ منها ولا تمر عنه صفحًشرح ابن بطال - (3/114).
وفقنا الله جميعاً إلى مرضاته, وأجزل لنا الأجور وغفر لنا الزلات آمين...آمين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ملاحظة: استفيد الموضوع من كتاب(عمارة المساجد المعنوية وفضلها) لـ(عبد العزيز عبد الله الحميدي)(1/10)الطبعة الأولى.
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen